عندما بدأ فجر النبوة يتسلل إلى قلب مكة، كان الطريق موحشًا، مليئًا بالتكذيب والخذلان، إلا من قلبٍ واحد آمن، ويدٍ واحدة امتدت، وبيتٍ واحد احتضن الدعوة في مهدها… ذلك القلب هو قلب خديجة بنت خويلد عليها السلام.
أول من آمنت… فاستقرت الرسالة
في اللحظة التي عاد فيها النبي ﷺ من غار حراء، مضطربًا من وقع الوحي، كانت خديجة أول من طمأنه، وأول من صدّقه، وأول من أعلن إيمانه برسالته. كانت كلمتها الخالدة:
“كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا…”
تلك الكلمات لم تكن مجرد دعم نفسي، بل كانت أول لبنة في بناء الثقة للرسالة الخاتمة.
نصرتها بالمال والروح
ما إن بدأت الدعوة، حتى سخّرت خديجة مالها كله لنصرة النبي ﷺ. أنفقت بسخاء، فاشترى به النبي العبيد المسلمين وحررهم، وساند المهاجرين، وأنفق في سبيل الله. يقول النبي ﷺ:
“ما نفعني مالٌ كمال خديجة.”
لقد كانت ثروتها وقودًا للدعوة، ومأواها بيتها، وسلاحها الصمت والثقة.
صبرها في الحصار
حين حوصرت الدعوة في شعب أبي طالب، كانت خديجة هناك، تعاني الجوع والمرض مع النبي ﷺ، لم تغادره، ولم تندب، بل صبرت حتى أنهكها المرض، فماتت وهي راضية، مؤمنة، ثابتة. وكان رحيلها قاسيًا على النبي ﷺ حتى سمّى عام وفاتها بـعام الحزن.
بناء البيت الرسالي
لم تكن خديجة فقط داعمة للرسالة خارج البيت، بل بَنَت داخل بيتها مناخًا رساليًا، فربّت فاطمة الزهراء، التي أصبحت بدورها أمًّا للأئمة ووريثة النبوة. لقد جمعت خديجة بين النصرة في الخارج والبناء في الداخل.
خاتمة
في زمن قَلّت فيه النصرة، واشتدّت فيه المحن، كانت خديجة بداية النور، ونواة الثبات، ويد الوفاء التي لم ترتجف.
لقد كانت “أمّ الرسالة”، التي نهض الإسلام في بداياته على إيمانها وصبرها ومالها… بصمتٍ، لكنّه خُلّد إلى الأبد.
لا تعليق